كنتُ في الصحراء –وكان عندي بعض المتاع أحملهُ-، وكنتُ عَطِشٌ جدًا، وبلغ منِّي الجَهد والتَعب مبلغَه، سِرتُ وسرتُ فإذا بي أجدُ بئرًا، نظرت إِليها وسُررتُ فأَدليتُ بِدلوي في هذه البئر فإذا بِه عميقٌ، أطلتُ الحبلَ عَشرةَ أمتارِ إضافية، فإذا بي لم أصل إلى القعر لأغرف شيئا من الماء، زدتُ الحبلَ طولا عشرةً أُخرى، فلم أصل إلى الماء، عندها قررتُ أن أبقى عَطِشًا علَّ الله يسقيني ..!
ثم بعد ذلك رأيتُ ذئبًا اقتربَ من البئر، فأنزل رأسه ولم يتكلَّف النزولَ، وشرب ماءً ومشى .. !
دُهشتُ من الأمر، وقلت لأغتنمنَّ الفرصة وألتمسُ الماء من سُؤر هذا الذئب ... أنزلتُ دَلوي الصغير بِضعةَ أمتارٍ فلم أجد ماءً .. ذُهِلتُ عندها.. ثم قلتُ في نفسي: شَرب الذئبُ ماءً للتَّو، مَا الخطبُ ! لا شكَّ أن هناك سببًا لِهذا الذي يَحصُل معي..
ازدادَ عطشي وصِرتُ أفكِّر كيف لي أن أشربَ الماء ... قلت في نفسي: لا أستطيعُ أن أتحولَ إلى ذئبٍ؛ كي أشرب الماءَ بكلِّ هذه السُّهولة، فكيفَ أصنع ...؟!
توسَّدتُ حافةَ البئر وجلستُ، وراحتِ الخواطرُ تأخذني كسفينةٍ في وسط موجٍ هائجٍ .. فالعطشُ يخنقُ حلقي، وجِسمي بدأ يَنشفُ،،، طالعتُ في الأُفق، فإذا بي أُبصر سَرابًا، وكأنِّي بحيوانٍ يَمشي ترقبتُه بشغفٍ رَجاءَ أن أجدَ حلًّا فيسعفني بشِربةِ مَاءٍ...
لازالَ يقتربُ حتى رأيتُ شكلَه ... يا ترى مَا هذا؟ ... فإذا به نَمر
لازالَ يقترب مِنِّي –وأوجستُ في نفسي رهبةً منه-، حتى جاءَ إلى البئر وأرخى رأسهُ وشرِب، سارعتُ إلى الماءِ لألتقطَ قطرةً، فسرعانَ ما غارَ وانحسر داخلَ البئر..!
نظرتُ إليه، قلتُ له: هلَّا أجبتني عن شيء بات يذهلني ؟... نظرَ إليَّ -وكأنَّه عرف ماذا أريدُ-، ثم ضحك ضحكةَ سخرية، وقال: مسكين.. وأدارَ رأسَهُ ومَشَى..
لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله ... مَا الخطبُ ؟
لماذا كلُّ هذا السوء في حظي .. ؟
فكرتُ، قلتُ لعلِّي فعلتُ فعلاً استوجبتُ بسببهِ كلَّ هذا التعسيرِ والضَنَكَ والتعب ..!
فكرتُ وفكرتُ حتى أصابني الصُّداعُ من التفكير ولم أجدني فعلتُ أيَّ فعلٍ أستوجبُ بهِ كلَّ ما مرَّ بي ...
قلتُ لا ريبَ أنَّ هناك شيئًا لا بدَّ أن أجدَهُ ... رباهُ ساعدني ... أرجوكَ، فليس لي في هذه الفلاةِ إلَّاكَ ..
آآآآه، استجاب ربي دعوتي، الآن عرفتُ............
أجدني مواطنًا عربيًّا ... نعم هذا هو السبب...
وجلستُ أُسائلُ نفسي: من هذا الحيوان الذئب، ومن هذا الحيوان النَّمر، ولماذا هم نعم وأنا لا ؟ ...